السؤال :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم الضيف من إمامة المقيمين في الصلاة ، بل يؤمهم أحدهم ( المرجع حديث رواه مالك بن الحويرث في الترمذي وأبي داود .
هذا الحديث (هو "نص" حسبما يظهر لي)
لا يعمل به في مساجدنا عندما يحضر أحد ضيوف الخطباء .
فالخطيب يطلب من الضيف أن يؤم الناس
في الصلاة ، ويفعل الضيف ذلك .
وتأييدا لهذا العمل ، يستشهد الخطباء بالحديث الذي فيه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أم الصلوات في مكة يوم الفتح مع أنه كان زائرا .
أرجو أن تبين لي الحكم للفائدة العليمة وكي
ترشد الآخرين حيال الموضوع .
الجواب :
الحمد لله
حديث مالك بن الحويرث المشار إليه
رواه الترمذي (356) وأبو داود (596)
عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ : كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يَأْتِينَا فِي مُصَلانَا يَتَحَدَّثُ فَحَضَرَتْ الصَّلاةُ يَوْمًا فَقُلْنَا لَهُ : تَقَدَّمْ . فَقَالَ : لِيَتَقَدَّمْ بَعْضُكُمْ حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ لِمَ لا أَتَقَدَّمُ , سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلا يَؤُمَّهُمْ , وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ) .
قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ ، قَالُوا : صَاحِبُ الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنْ الزَّائِرِ .
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : إِذَا أَذِنَ لَهُ فَلا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ .
وقَالَ إِسْحَقُ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَشَدَّدَ فِي أَنْ لا يُصَلِّيَ أَحَدٌ بِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ ، قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ لا يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا زَارَهُمْ ، يَقُولُ : لِيُصَلِّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ) انتهى من
سنن الترمذي .
والحديث قال عنه الألباني رحمه الله :
صحيح دون قصة مالك .
"صحيح سنن الترمذي".
وقد ثبت في السنة ما يدل على جواز أن يؤم الزائرُ صاحبَ البيت ، إذا كان ذلك بإذنه
وهو ما رواه مسلم (673)
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ , وَلا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانه )
مَعْنَاهُ : مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ : أَنَّ صَاحِب الْبَيْت وَالْمَجْلِس وَإِمَام الْمَسْجِد أَحَقّ مِنْ غَيْره ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْر أَفْقَه وَأَقْرَأ وَأَوْرَع وَأَفْضَل مِنْهُ .
وَصَاحِب الْمَكَان أَحَقّ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ ، وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ يُرِيدهُ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يُقَدِّمهُ مَفْضُولا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي الْحَاضِرِينَ ؛ لأَنَّهُ سُلْطَانه فَيَتَصَرَّف فِيهِ كَيْف شَاءَ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( وَلا يَقْعُد فِي بَيْته عَلَى تَكْرِمَته إِلا بِإِذْنِهِ )
قَالَ الْعُلَمَاء : التَّكْرِمَة الْفِرَاش وَنَحْوه مِمَّا يُبْسَط لِصَاحِبِ الْمَنْزِل وَيُخَصّ بِهِ " انتهى باختصار .
وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث مالك بن الحويرث :
" وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود رضي الله عنه : ( إلا بإذنه ) " انتهى من
"نيل الأوطار" (3/170) .
ويدل أيضا على جواز إمامة الزائر لصاحب المنزل :
ما رواه البخاري (424) ومسلم (33)
عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ : ( أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ قَالَ : فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ , فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ) .
ويدل على جواز إمامة المسافر للمقيمين :
ما رواه الترمذي (545)
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ : سُئِلَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ صَلاةِ الْمُسَافِرِ , فَقَالَ : حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُمَرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ , وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلافَتِهِ أَوْ ثَمَانِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ )
والحديث قال عنه الألباني رحمه الله : صحيح لغيره .
وروى مالك في الموطأ (349)
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ , ثُمَّ يَقُولُ : ( يَا أَهْلَ مَكَّةَ , أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ , فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ) .
وقد رواه أبو داود (1229)
مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم , لكن بسند ضعيف , ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود . لكن يغني عنه حديث عمران بن الحصين المتقدم , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سفره للحج ركعتين , وكان أهل مكة يصلون خلفه بمكة ويتمون صلاتهم أربعا بلا شك .
قال الشوكاني رحمه الله :
" وأثر عمر رجال إسناده أئمة ثقات " انتهى من
"نيل الأوطار" (3/177).
والحاصل من مجموع الأحاديث :
أن صاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة من غيره ، وأنه إن أذن للمسافر أو للضيف بالصلاة ، فله ذلك .
وسئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
ما الجمع بين حديث : ( لا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ) وبين حديث : ( من زار قوماً فلا يؤمهم ) ؟
فأجاب :
" يحمل على إمامتهم بغير إذنهم . أو يُجمع بأن الأولى له أن يدع وإن أذن له . وكلمة " بإذنه" دالة على الجواز " انتهى .
"فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (2/285) .
والله أعلم .