كتاب البداية والنهايةلابن كثير الجزء الاول الصفحة العاشرة
فصل: وقد اختلف الناس في تفضيل الملائكة على البشر على أقوال:
كتاب البداية والنهايةلابن كثير الجزء الاول الصفحة العاشرة
وقال البخاري: حدثنا إبراهيم عن حمزة، حدثني ابن أبي حازم، عن يزيد، يعني ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا استيقظ أحدكم من منامه، فتوضأ، فاستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه)).
ورواه مسلم، عن بشر بن الحكم، عن الدراوردي.
والنسائي، عن محمد بن زنبور، عن عبد العزيز بن أبي حازم، كلاهما عن يزيد بن الهادي به.
وقال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال:
((ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله، ثم أصبح، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه، أو قال: في أذنه)).
ورواه مسلم، عن عثمان، وإسحاق، كلاهما عن جرير به.
وأخرجه البخاري أيضاً، والنسائي، وابن ماجه، من حديث منصور بن المعتمر به.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف، أنبأنا الأوزاعي، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى أقبل، حتى يخطر بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا، وكذا، حتى لا يدري أثلاثاً صلَّى، أم أربعاً، فإذا لم يدرِ أثلاثاً صلى أم أربعاً، سجد سجدتي السهو)).
هكذا رواه منفرداً به، من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا جعفر يعني الأحمر، عن عطاء بن السائب، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((راصُّوا الصفوف، فإن الشيطان يقوم في الخلل)).
وقال أحمد: حدثنا أبان، حدثنا قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
((راصُّوا الصفوف، وقاربوا بينها، وحاذوا بين الأعناق، فوالذي نفس محمد بيده، إني لأرى الشيطان، يدخل من خلل الصف، كأنه الحذف)).
وقال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا يونس، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا مرَّ بين يدي أحدكم شيء فليمنعه، فإن أبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان)).
ورواه أيضاً مسلم، وأبو داود، من حديث سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد، حدثنا بشير بن معبد، حدثنا أبو عبيد، حاجب سليمان، قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي، قائماً يصلي، فذهبت أمرّ بين يديه، فردني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام يصلي صلاة الصبح، وهو خلفه يقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته، قال:
((لو رأيتموني وإبليس، فأهويت بيدي، فما زلت أخنقه، حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين، الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان، لأصبح مربوطاً بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم، أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد، فليفعل)).
وروى أبو داود منه، ((فمن استطاع إلى آخره)) عن أحمد بن أبي سريج، عن أبي أحمد، محمد بن عبد الله بن محمد بن الزبير به.
وقال البخاري: حدثنا محمود، حدثنا شبابة، حدثنا شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة، فقال:
((إن الشيطان عرض لي، فسدَّ عليَّ لقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه)) فذكر الحديث.
و قد رواه مسلم، و النسائي، من حديث شعبة به، مطولاً. (ج/ص: 1/ 69)
ولفظ البخاري، عند تفسير قوله تعالى، إخباراً عن سليمان عليه السلام أنه قال:
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].
من حديث روح، وغندر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن عفريتاً من الجن، تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا، وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} - قال روح -: فرده خاسئاً)).
وروى مسلم، من حديث أبي إدريس، عن أبي الدرداء، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول:
((أعوذ بالله منك، ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثاً، وبسط يده، كأنه يتناول شيئاً.
فلما فرغ من الصلاة، قلنا يا رسول الله: قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً، لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك؟.
فقال: إن عدو الله إبليس، جاء بشهاب من نار، ليجمله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك، ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر، ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان، لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة)).
وقال تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]. يعني: الشيطان.
وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
فالشيطان لا يألو الإنسان خبالاً، جهده وطاقته، في جميع أحواله، وحركاته، وسكناته، كما صنف الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، كتاباً في ذلك، سمَّاه: (مصائد الشيطان) وفيه فوائد جمَّة.
وفي (سنن أبي داود)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول في دعائه:
((وأعوذ بك، أن يتخبطني الشيطان، عند الموت)).
وروينا في بعض الأخبار، أنه قال:
((يا رب وعزك، وجلالك، لا أزال أغويهم، ما دامت أرواحهم، في أجسادهم، فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي، ولا أزال أغفر لهم، ما استغفروني)).
وقال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]. (ج/ص: 1/ 70)
فوعد الله هو: الحق المصدق، ووعد الشيطان هو: الباطل.
وقد روى الترمذي، والنسائي، وابن حبان، في (صحيحه)، وابن أبي حاتم، في (تفسيره)، من حديث عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان، فايعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله. ومن وجد الأخرى، فليتعوذ من الشيطان
ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268])).
وقد ذكرنا، في فضل سورة البقرة، أن الشيطان يفر من البيت، الذي تقرأ فيه.
وذكرنا في فضل آية الكرسي، أن من قرأها في ليلة، لا يقربه الشيطان حتى يصبح.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
((من قال لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل أكثر من ذلك)).
وقال البخاري: أنبأنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال صلى الله عليه وسلم:
((كل ابن آدم يطعن الشيطان، في جنبيه بإصبعه، حين يولد، غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب)).
تفرد به من هذا الوجه.
وقال البخاري: حدثنا عاصم بن علي، حدثنا بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم، فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: ها، ضحك الشيطان)).
ورواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه النسائي، من حديث ابن أبي ذئب به.
وفي لفظ:
((إذا تثاءب أحدكم، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن الله يحب العطاس، ويبغض، أو يكره التثاؤب، فإذا قال أحدكم: هاها، فإنما ذلك الشيطان، يضحك من جوفه)).
ورواه الترمذي، والنسائي، من حديث محمد بن عجلان به.
(يتبع...)
(تابع... 1): قال الله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ *... ...
وقال البخاري: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن أشعث، عن أبيه، عن مسروق، قال: قالت عائشة: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال:
((هو اختلاس يختلسه الشيطان، من صلاة أحدكم)).
وكذا رواه أبو داود، والنسائي، من رواية أشعث بن أبي الشعثاء، سليم بن أسود المحاربي، عن أبيه، عن مسروق به.
وروى البخاري، من حديث الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير: حدثني عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم، حلماً يخافه، فليبصق عن يساره، وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره)). (ج/ص: 1/ 71)
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدكم، لعل الشيطان أن ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار)).
أخرجاه من حديث عبد الرزاق.
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: 5].
وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 6 - 10].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 16 - 18].
وقال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 210- 212].
وقال تعالى إخباراً عن الجان: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} [الجن: 8 - 9].
وقال البخاري: وقال الليث: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن أبا الأسود، أخبره عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الملائكة تحدث في العنان - والعنان الغمام - بالأمر يكون في الأرض، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن، كما تقر القارورة، فيزيدون معها مائة كلمة)).
هكذا رواه في صفة إبليس، معلقاً عن الليث به.
ورواه في صفة الملائكة، عن سعيد بن أبي مريم، عن الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة بنحوه. تفرد بهذين الطريقين دون مسلم.
وروى البخاري في موضع آخر، ومسلم من حديث الزهري، عن يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: قالت عائشة: سأل ناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال: ((إنهم ليسوا بشيء)).
فقالوا يا رسول الله: إنهم يحدثوننا أحياناً بشيء فيكون حقاً.
فقال صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الحق، يخطفها من الجني، فيقرقرها في أذن وليه، كقرقرة الدجاجة، فيخلطون معها مائة كذبة)).
هذا لفظ البخاري. (ج/ص: 1/ 72)
وقال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟
قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير.
فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، - ووصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن. فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة.
فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)).
انفرد به البخاري.
وروى مسلم من حديث الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، عن ابن عباس، عن رجال من الأنصار، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.
وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف: 36-38].
وقال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ....} الآية [فصلت: 25].
وقال تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 27-29].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112 -113].
وقد قدمنا في صفة الملائكة ما رواه أحمد، ومسلم، من طريق منصور عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، واسمه رافع، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة.
قالوا: وإياك يا رسول الله؟
قال: وإياي، ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن قابوس، عن أبيه، واسمه حصين بن جندب، وهو أبو ظبيان الجنبي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين.
قالوا: وأنت يا رسول الله؟.
قال: نعم، ولكن الله أعانني عليه فأسلم)).
تفرد به أحمد وهو على شرط الصحيح. (ج/ص: 1/ 73)
وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو صخر، عن يزيد بن قسيط، حدثه أن عروة بن الزبير، حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً قالت: فغرت عليه، قالت: فجاء، فرأى ما أصنع، فقال: ((مالك يا عائشة أغرت)).
قالت: فقلت ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفأخذك شيطانك)).
قالت يا رسول الله: أو معي شيطان؟
قال: ((نعم)).
قلت: ومع كل إنسان.
قال: ((نعم)).
قلت: ومعك يا رسول الله؟
قال: ((نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم)).
وهكذا رواه مسلم عن هارون، وهو ابن سعيد الأيلي بإسناده نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((إن المؤمن لينصي شيطانه كما ينصي أحدكم بعيره في السفر)).
تفرد به أحمد من هذا الوجه. ومعنى لينصي شيطانه: ليأخذ بناصيته فيغلبه، ويقهره كما يفعل بالبعير إذا شرد ثم غلبه.
وقوله تعالى إخباراً عن إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17].
قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل -هو عبد الله بن عقيل الثقفي، حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟.
قال: فعصاه وأسلم.
قال: وقعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول.
فعصاه وهاجر.
ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جهد النفس والمال. فقال: أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟
قال: فعصاه وجاهد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك منهم كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن كان غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبادة بن مسلم الفزاري، حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، سمعت عبد الله بن عمر يقول: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هذه الدعوات حين يصبح، وحين يمسي:
((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي. اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)).
قال وكيع: يعني الخسف. (ج/ص: 1/ 74)
ورواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، من حديث عبادة بن مسلم به. وقال الحاكم صحيح الإسناد.